غازي القصيبي أديب وسياسي سعودي، ولد عام 1940م في الإحساء، لعائلة ذات مكانة اجتماعية وثقافية، كانت تنشط في تجارة اللؤلؤ، وكان والده التاجر المعروف عبد الرحمن القصيبي الملقب بشيخ اللؤلؤ.
توفيت والدته بعد شهور من ولادته، وكان والده صارماً حازماً أكثر منه حنوناً عطوفاً، فَحُرِمَ الحنان منذ صغره، لكن جدته من أمه عوضته عن جزء صغير منه، وعاملته كيتيم صغير، في ذلك الجو، يقول غازي: "ترعرعت متأرجحاً بين قطبين أولهما أبي، وكان يتسم بالشدة والصرامة، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية".
في المنامة، كانت بداية مشواره الدراسي، حيث أحب المدرسة وأحب الدراسة وأصبح متعلقاً بها، واستمر في تميزه واجتهاده حتى أنهى الثانوية، ثم حزم حقائبه نحو مصر، وإلى القاهرة بالتحديد، وفي جامعتها درس في كلية الحقوق، وبعد أن أنهى فترة الدراسة هناك عاد إلى السعودية يحمل معه شهادة البكالوريوس في القانون.
لم يتوقف طموح "غازي" عند هذا الحد فقرر أن يواصل دراسته في الخارج، وأصرّ على ذلك رغم عروض التوظيف التي عُرضت عليه، بالإضافة إلى عرض والده عليه الدخول معه في التجارة، إلا أنه رفض كل تلك العروض مقدماً حلمه في مواصلة الدراسة على ما سواه.
كانت الوجهة هذه المرة نحو لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية، وفي جامعة كاليفورنيا قضى "غازي" ثلاث سنوات تتوّجت بحصوله على درجة الماجستير في العلاقات الدولية.
وفي أميركا وأثناء دراسة الماجستير، جرّب "غازي" منصباً إدارياً للمرة الأولى في حياته، وذلك بعد فوزه "بأغلبية ساحقة" في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة، وبعد رئاسته لها بأشهر أصبحت الجمعية ذات نشاط متميز وكبير.
وفي عام 1967 سافر "غازي" نحو لندن، ليحضّر رسالة الدكتوراه هناك، ثم عاد إلى الرياض في عام 1971، فعمل في الجامعة بعد أن حصل على درجة الدكتوراه، وبعد عودته بفترة قصيرة مكتباً للاستشارات القانونية كان يعود لأحد أصدقاءه.
وبعد أقل من عام، كان على الأستاذ الجامعي أن يتحول عميداً لكلية التجارة، وهو المنصب الذي رفضه إلا بشرط؛ هو ألا يستمر في المنصب أكثر من عامين غير قابلة للتجديد، فكانت الموافقة على شرطه هذا، وبدأت تنمو الإصلاحات في الكلية ونظامها وسياستها بشكلٍ مستمر وبنشاط لا يتوقف.
في عام 1975، وضمن التشكيل الوزاري الجديد، عُيّن الدكتور غازي وزيراً للصناعة والكهرباء، ثم أصبح وزيراً للصحة في عام 1982، ثم تم تعيينه سفيراً للملكة في دولة البحرين، وبقي كذلك لثماني سنوات، حتى صدر قرار بتعيينه سفيراً للمملكة في بريطانيا، وظل هناك طوال إحدى عشرة سنة، ليعود من السلك الدبلوماسي نحو الوزارة، وزيراً للمياه.
رغم كل الشهادات العلمية التي حصل عليها الدكتور غازي في مجال القانون والعلوم السياسية ورغم كل المناصب التي تسلمها إلا أن ذلك لم يثنه عن شغفه في الأدب، فقد كانت لديه ميوله الأدبية منذ الصغر، والتي حفزتها رغبته في التعبير عن ذاته، فيذكر أنه عندما كان صغيراً ولشدة شغفه بالأدب والشعر أراد أن يكتب عملاً أدبياً وكان طالباً في الثانوية آنذاك، وأراد أن ينشر ذلك العمل في إحدى الصحف الشهيرة التي كانت تنشر لكبار الشعراء، لكنه أخطأ عندما أرسل القصيدة للصحيفة وذكر في آخرها أنه طالب في الثانوية، فرد عليه مدير الصحيفة بأن القصيدة ما زالت برعماً، وأن عليه مواصلة القراءة والتعلم.
وهنا جاء دور أخيه الذي كان يكبره ب 7سنوات، ويقول هنا القصيبي: "كان أخي عادل أعرف مني بطبيعة البشر، فكتب لنفس الصحيفة: "نخصكم بقصيدة من شعرنا الذي لم ينشر في أي من دواويننا بعد" وكانت القصيدة أضعف من سابقتها حسب ما ذكر القصيبي، لكنه بالفعل تم نشر القصيدة في تلك الصحيفة وكانت تحت اسم مستعار وضعه القصيبي، وظل القصيبي ينشر تحت هذا الاسم في تلك الصحيفة حتى عام 1958.
هذا الشغف انعكس على إنتاجه العلمي الضخم فقد ألف الدكتور غازي القصيبي نحو 20 كتاباً فضلاً عن مشاركاته الكتابية والأدبية والمحاضرات التي ألقاها، ومن أهم كتاباته الروائية وأكثرها شهرة رواية "شقة الحرية" ثم رواية "العصفورية"، أما في مجال الشعر فكان "صوت من الخليج" و "أشعار من جزائر اللؤلؤ".
كما حصل الدكتور على وسام الملك عبد العزيز، ووسام الكويت من الطبقة الممتازة، وعدة أوسمة رفيعة منها عربية ومنها عالمية.
يشهد الأدباء والسياسيون ممن عرفوا الدكتور غازي القصيبي على نزاهته وصدقه وإخلاصه، وعلى ثقافته الواسعة وعلمه الوفير، كما يشهدون على الإنجازات التي قدمها وسعيه الكبير في تحقيق أهدافه وغايته، ويصفونه بأنه محب للعلم والتعليم منذ صغره فنال ما سعى من أجله.
توفي الدكتور غازي القصيبي في الشهر الثامن من عام 2010م، عن عمر ناهز السبعين عاماً بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد كانت حياة الدكتور غازي مليئة بالتضحية والعطاء، وبقي شغفه بالأدب ملازماً له طوال حياته، ومن آخر ما قاله القصيبي:
أغــــالب اللــــــــــــيل الحزين الطويل |
أغـــــالب الــــــــداء المقيم الوبيل |
أغالب الآلام مــهــــمـــا طــــغـــــــت |
بحسبي اللــــــه ونــــــــعم الوكيل |
إليك عظيم العفو اشكوا مواجـعي |
بدمع على مرأى الخلائـق لا يجري |
ولم أخــــش يـــا رباه موتاً يحيط بي |
ولكنني أخشى حسابك في الحشر |