في عام 1962 وُلد "راجيش شارما" بإحدى قرى الهند، وكان منذ طفولته شغوفاً بالعلم والتعلم، وكان يأمل أنْ يصبح رجلَ أعمالٍ ناجحٍ عندما يكبر، وكان مجتهداً في دراسته متميزاً فيها، واستمر حلمه يرافقه منذ طفولته إلى أن أصبح شاباً.
فعندما وصل "شارما" إلى المرحلة الجامعية لم يستطع متابعة تعليمه بسبب الظروف المالية القاسية التي كان يمر بها، فاضطر إلى ترك دراسته واللجوء إلى التجارة والعمل الحر، فاستطاع بعد فترة طويلة قضاها في التجارة أن يشتري متجراً خاصاً به وأن يدخر بعض النقود، وكان ناجحاً في عمله محبوباً ممن حوله.
وفي أحد الأيام مر "شارما" بإحدى المناطق العشوائية في مدينة نيودلهي الهندية ولاحظ بعض الأطفال يلعبون في الطين مع أن الوقت كان باكراً ومن المفترض أن يكون هؤلاء الأطفال في مدرستهم، فذهب إلى أهالي هؤلاء الأطفال يسألهم عن سبب عدم ذهاب أطفالهم إلى المدرسة، فأخبروه بأن أهالي هذه المنطقة فقراء جداً ولا يوجد فيها مدرسة.
فكر "شارما" بالأمر، وقرر أن يحمل على عاتقه مهمة تعليم هؤلاء الأطفال، فهو لا يريدهم أن يتركوا التعليم كما اضطر هو إلى تركه رغم شغفه وحبه له، فبدأ بالبحث عن مكان لتعليم الأطفال، إلى أن وجد مساحة شاغرة تحت جسر كبير في مدينة نيودلهي، وهو أكبر جسر فيها، فقام بطلاء الجدران تحت الجسر باللون الأسود ليجعلها مثل "السبورة"، وقام بتخصيص مكان تحت الجسر يجلس فيه الأطفال لتلقي الدروس، كما أن هذا المكان يقيهم من المطر عند هطوله.
وبدأ يعلّم الأطفال القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم والتاريخ والجغرافيا، وقام بجمع بعض التبرعات بالإضافة إلى ما يدفعه من ماله الخاص لتوفير الأقلام والأوراق والحقائب للأطفال، كما قام بشراء بعض السجاد محاولاً تأهيل المكان ليصبح قابلاً لتعليم الأطفال وتأهيلهم.
اعتمد "شارما" في تعليمه للأطفال على المناهج الحكومية، لأنه كان يأمل بأن يقوم الطلاب بالالتحاق بالمدارس الحكومية بعد نجاحهم وتأهيلهم عنده، ولم يكن يستخدم أي أساليب للعقاب والترهيب، وذلك ليشجع الطلاب على التعليم وليحوله لديهم من عادة يومية إلى شغف يستمر معهم طيلة حياتهم، وقد نجح فعلاً في ذلك، فقد كان الطلاب لا يتغيبون ولا يتأخرون، وكانوا يحبون مدرستهم تحت الجسر التي عوضتهم عن المدرسة الرسمية، وكانوا يحبون معلمهم "شارما" الذي يبذل كل ما يستطيع في سبيل تقديم العلم والفائدة لهم.
لم يكن نجاح "شارما" يراهن فقط على حاجة الأطفال للتعلم، بل كان يستخدم الأساليب التي تحبب الأطفال في التعليم، واستمد طاقته تلك من شغفه وحبه للتعليم الذي حرم منه وكان يجد نفسه في طلابه، فمن تلك الأساليب كان "شارما" يخصص يوم السبت للأنشطة الترفيهية الحركية، فكان يدرب الأطفال ويجعلهم يلعبون في كرة القدم والريشة وغيرها من الألعاب الحركية الرياضية.
في مبادرة "شارما" الإنسانية، أنهى 70 طالباً تعليمه عند "شارما" وتابع تعليمه في المدارس الحكومية، ويعتمد صرحه العلمي البسيط على التبرعات بشكل كامل، فيتبرع الناس بالكتب واللباس المدرسي والطعام وغير ذلك، ويخصص "شارما" جزءاً من أمواله لدعم المشروع التعليمي.
ولم يكن يوم "شارما" ينتهي بعد انتهاء الدروس، بل كان يذهب بعدها إلى دكانه ليكمل عمله، فكان يقوم بالتدريس من الساعة التاسعة صباحاً إلى الثانية ظهراً، ويجلس أخوه في المتجر ريثما يعود، وعندما يعود "شارما" يتابع عمله في المتجر حتى المساء.
لم تستطع الظروف القاهرة والقاسية أن توقف "شارما" عن سعيه لتحقيق شغفه ورغباته، بل تفوق عليها وقام بتعليم مئات الطلاب حتى الآن، ولا يزال مستمراً في عمله للوصول إلى هدفه، فهو يؤمن تماماً أنه لن يتقدم حال بلاده "الهند" إلا بالعلم، ويؤمن أيضاً أن بإمكانه تحقيق أحلامه ونشر التعليم في كل مكان لمن يحتاجه.
إن شغف "شارما" منذ الصغر وحبه للتعليم كانا هما السبب في وصوله إلى غايته وتحقيق حلمه الذي كرس حياته من أجله.